كم هي المواقف التي وقعت لنا في صغرنا ولا تزال مطبوعة في أذهاننا إلى اليوم ..سواء كانت مفرحة أو محزنة..
عُد بذاكرتك إلى أيام طفولتك .. ستذكر لا محالة جائزة كرمت بها في مدرستك.. أو ثناء أثناه عليك أحد في مجلس عام .. فهي مواقف تحفر صورتها في الذاكرة..فلا تكاد تنسى..
وإلى جانب ذلك..لا نزال نتذكر مواقف محزنة..وقعت لنا في طفولتنا .. مدرس ضربنا.. أو خصومة مع زملاء في المدرسة..أو مواقف تعرضنا فيها للإهانة من أسرتنا.. أو نحو ذلك.....
وكم صار الإحسان إلى الصغار طريقاً إلى التأثير ليس فيهم فقط.. بل في آبائهم وأهليهم.. وكسب محبتهم جميعاً ..
يتكرر كثيراً لمدرس المرحلة الابتدائية أن يتصل به أحد أبوي طالب صغير ويثني عليه وأنه أحبه لمحبة ولده له وكثرة ذكره بالخير.. وقد يعبرون عن هذه المشاعر في لقاء عابر.. أو هدية أو رسالة..
إذن لا تحتقر الابتسامة في وجه الصغير.. وكسب قلبه..
يقول احد الشيوخ:
ألقيت يوماً محاضرة عن الصلاة لطلاب صغار في مدرسة..
فسألتهم عن حديث حول أهمية الصلاة.. فأجاب أحدهم: قال(صلى الله عليه وسلم): (بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)..
يقول:أعجبني جوابه.. ومن شدة الحماس نزعت ساعة يدي وأعطيته إياها..
ومضت الأيام .. بل السنين .. ثم في أحد المساجد تفاجأت أن الإمام هو ذلك الغلام .. وقد صار شاباً متخرجاً من كلية الشريعة .. ويعمل في سلك القضاء بأحد المحاكم .. لم أذكره وإنما تذكرني هو
وتأمل كان هذا الموقف كيف كان مشجعاً لذلك الغلام لكي يحب العلم والقرأن...وانظر كيف انطبعت في ذهنه المحبة والتقدير بموقف عاشه قبل سنين..
وكم ترى من الناس الذين يحسنون التعامل مع الصغار.. فترى أباً يجره ولده الصغير بيده ليصل إلى هذا الرجل فيسلم عليه ويبلغه بمحبة ولده له ..
ويمكنك أن تلاحظ أنواع الناس في التعامل مع الصغار .. عندما يدخل رجل إلى مجلس عام ويطوف بالحاضرين مصافحاً .. وولده من خلفه يفعل كفعله .. فمن الناس من يتغافل عن الصغير .. ومنهم من يصافحه بطرف يده .. ومنهم من يهز يده مبتسماً مردداً : أهلاً يا بطل .. كيف حالك يا شاطر .. فهذا الذي تنطبع محبته في قلب الصغير .. بل وقلب أبيه وأمه ..
وتأمل كيف كان المربي الأول (صلى الله عليه وسلم) يتعامل مع الصغار...كان له أحسن التعامل مع الصغار..
كان لأنس بن مالك أخ صغير .. وكان(صلى الله عليه وسلم) يمازحه ويكنيه بأبي عمير .. وكان للصغير طير صغير يلعب به .. فمات الطير ..
فكان e يمازحه إذا لقيه .. ويقول : يا أبا عمير .. ما فعل النغير ؟ يعني الطائر الصغير ..
وكان يعطف على الصغار ويلاعبهم .. ويلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول : ( يا زوينب .. يا زوينب .. ) ..
وكان إذا مر بصبيان يلعبون سلم عليهم ..
وكان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم .. ويمسح رؤوسهم ..
ومن اللطائف انه ..أقبلت إليه امرأة يوماً تشتكي زوجها .. فقال لها(صلى الله عليه وسلم) : زوجك الذي في عينه بياض؟
ففزعت المرأة وظنت أنه زوجها عمي بصره...
كما قال الله عن يعقوب(عليه السلام)"وابيضت عيناه من الحزن" أي:عُمي..
فرجعت فزعة إلى زوجها وجعلت تنظر في عينيه...وتدقق ..
فسألها عن خبرها؟!
فقالت :قد قال رسول الله ( إن في عينك بياض ..
فقال لها زوجها: يا امرأة.. أما أخبرك أن بياضها أكثر من سوادها ..
أي أن كل أحد في عينه بياض وسواد ..
وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا مازحه أحد تفاعل معه .. وضحك وتبسم ..
وتقرأ في أحاديث أنه تبسم حتى بدت نواجذه ..
إذن كان لطيف المعشر..أنيس المجلس..وكان (صلى الله عليه وسلم) خُلقَه القرآن..
فلنتحلى باخلاقهِ...